وكانت كلما تذكرته
وكانت كلما تذكرته لازمها الشرود حين زارته في ذاك اليوم الشتوي الممطر كيف بدت عيناه البنيتين الصغيرتين وهو ابن الخامسة من العمر تحملان أرق ليالي البرد واليتم والشقاء كلها دفعة واحدة ..كيف لفمه الصغير أن يبتسم..وأن تحافظ طلته على طابع اﻷلم في خطوته المحسوبة ..في نظرته ﻷلف عين ليستشرف قلبه الرضا والقبول أو النفي..كان كل مافيه يشي بعطش لﻷمومة...ثيابه الرقيقة التي لاتتناغم والطقس القارس البرودة..يده التي ترتجف حين يمد ها ليتناول شيئا ..استكانته بين يديها وهي تربت على ظهره الضعيف ...علها صيحات مربيته بجسدها الضخم عقبة تثقل جسد هذا الصغير..علها الضمائر التي ترسل لهم المهلهل من الثياب ومالايصلح ليشبه دنياهم الباهتة التي لاتعرف بهجة اﻷلوان..على باب الملجأ كانت أكوام الملابس تتكدس يتم فرزها بعناية ليصلهم أدناها ...
على بابه رفعت رأسها لتراه قبل أن تمضي .. رأته يمسك بقضبان النافذة يلوح لها مبتسما وهو يمسك بقالب الحلوى كبير الحجم الذي أهدته إياه ..لقد اقتسمه سعيدا مع زميله ..تمنت ألا تذوب الشيكولا سريعا أن يستمتعا بمذاقها الدافيء ورفاهيتها لبعض الوقت ..خيل اليها أن شمسا صغيرة من الدفء أطلت من نافذتهما وأنها تسللت لﻷلوان الرمادية البائسة لذلك المبنى القديم الذي ينحدر منذ العهد الملكي للبلاد ...