الرئيسية » » حكايتي مع الملائكة..(15) | عائشة بريكات

حكايتي مع الملائكة..(15) | عائشة بريكات

Written By Unknown on الاثنين، 13 يوليو 2015 | 8:00 ص



حكايتي مع الملائكة..(15)
(يا الله.....معك لست وحدي)
.١)
ثمة خيوط شمس شاحبة هزيلة،تنبعث من خلف النافذة،
تتزاحم وبارد النسمات في طواف صباح جديد ، فلا ترتعش منها الستائر بل بعضاً مني ,و كثيراً من أفكار تراكمت في مهب الأمنيات....بات الشتاء على أبواب محطات وداعه، يحشرج صقيعاً ببرد مبحوح الحنجرة،وقتما يتجهز الكون لمناسك تليق بزكام الطين، وطقوس لبداية فصل الألوان والدفء .
ـــــــــ
2
أسبوعان من الراحة الإجبارية في السرير،
تفننوا بالاعتناء بي بشتى أساليب الدلال والاهتمام،
أظنهم وجدوها ريحاً مواتيةً لترميم شروخٍ وقعت في علاقتنا
بعدما نبذتهم جميعاً ,
وانزويت بقهوتي وأحزاني لشهورٍ خلت على تلك الأريكة.
ربما ساعد على ذلك شعور رائع غمرني بالمشاركة
يفضي إلى أن لا تحزني,
لست وحدك في هذا فهو امتحان عائلي لم تختصي به وحدك!.
كنت أعلم محاولاتهم الصادقة تنبع من حب لا يكال إلاّ بمكيالٍ من نقي العواطف،
فمشوارنا طويلٌ ,
ويلزمه أن نرّيح بعضنا أحياناً لنواصل مهمتنا المشتركة...
كنت أراقبهما كيف يلبسانه،يطعمانه،يلاعبانه...؟.
وخاصة وقتما يعودان به من الدرس ,
ويطبقان عليه تعاليم الأستاذ ،
كم كنت أضحك بسرّي على طرقهم الغير الصحيحة أحياناً في تنفيذ المهمات دون اعتراض مني.!.
كنا عائلة مبتدئة في منهجية حياتها لتليق بطفل توحدي.
فلا ضير من ارتكاب بعض الأخطاء في سبيلنا إلى ذلك.
ـــــــــــ
٣
تزفر ساعة الحائط تكتكاتها الستة أنيناً
ينبئ عن ضعفٍ في قدرة المدخرة،
تشبهني وقتما أبالغ بالتدخين
ويتحشرج صوت سعالي،
ابتسمت لتلك الصورة،
وأنا انتظرهما ليأتوني ضاحكين,
فقد حل موعد استيقاظهم المعتاد.
كطوفانٍ من نور غمرتهم بنظرات القلب والروح،
يسارعان معاً للاستحواذ على الحضن الأول،
والقبلة الأولى،
(يمان) دوماً الأكثر رشاقة والأكثر غيرّة رغم اجتهادي
كيلا يشعر بتفوق مشاعري لأخيه،
كنت بينهما أتجول في بساتين الفرح ،
أقطف ثمار تحسّن (يامن) الصباحية،
أناديه...
فيلتفت بعد تجاهل طويل,
أشير له أن يجلب لي منديلاً فيلبّي،
على أوتار من سعادة ,
كانت تتراقص أمومتي ,
وتغني أعذب الألحان ,
وأنا أصفق له ليشعر بقيمة انجازاته .
ـــــــــــ
٤
على الضفة الأخرى للمكالمة كان الأكثر تفهماً،
لم يمانع رغبةً لي في تكثيف الدروس المنزلية
علنّا نتجاوز بها سنوات تأخر تأهيل الصغير.
اتفقنا على كلفة الجلسة ,
وموعدها المسائي ليتناسب مع عودة ابني البكر من عمله.
.....على طاولة صغيرة في المطبخ جلس يامن يتلذذ بطبق الأرز واللبن الثاني,
بينما يشرب يمان زجاجة الحليب بلا شهية،
وأنا أجهز طعام الغداء قبل خروجي..
وتقوم الحنونة بتنظيف المنزل تحت إرشاداتي.
وداعاً مقتضباً وارتشافاً من فنجان قهوتي السادة ,
قبّل الصغيرين..
وربتّ على كتفي عندما أطلعته على نواياي..
وقال:عائش..لا تبخلي!!! .
وخرج.
ـــــــــــ
٥
كان استقبالها حافلاً بالقُبل ووابلٍ من عبارات المجاملات الشاميّة
المتداولة،فقد غبتُ حد الاشتياق حسب قولها،رغم ذلك اعتذرت عن ضيافتها بصداعٍ وهميٍ,وجلست أراقب مجريات العمل على طاولة الدرس.
..أخبرني أستاذه بتجاوزه التمارين السابقة بنجاح.
كما بشّرني بأن للصغير قدراتٍ تفوق توقعاتنا... بتجاوز بأقل من شهر ما يحتاج أقرانه لثلاثة شهور لإنجازه, وأكدّ ضرورة الاستمرار بالتمارين ,وتكرارها يومياً في البيت ,ولو توقفنا عنها في الجلسات.
مؤكدة عليه الموعد بعد ساعاتٍ دفعت ما يترتب من كلفةٍ ودعتهما
بفرحٍ يتملكني حد البكاء.
ــــــــــــ
6
يتراكض الصغيران ملبيان نداء جرس الباب،يعلمان تماماً أن القادم أبوهما الأصغر محملاً بأكياس البطاطا وعلب ــ الشوكولا ــ والعصير ,كما عوّدهما
...صعقنا ,لعدم تقبل (يامن) للزائر الجديد فقد أحس بخطرٍ يهدد كيانه وسلطته هنا,في مملكة عناده ,حيث يتحكم بنا حسب مشيئته ,مما دفع بالأستاذ مجبراً للقيام بتمارين الإخضاع متجاهلاً بكاءه ’صراخه ,ركلاته , وهو يجمع المكعبات الملونة تحت التلقين الجسدي الكامل ليضعها في سلة قريبة على مسمعٍ من الجميع دون أن يتجرّأ أيّ منا على التدخل لإنقاذه. كانت دموع إخوته تصاحب صراخه
من خلف باب الغرفة ,ودموعاً أخرى محت ملامح سعادة النهار من وجهي,
.....وجع يخبرنا بأن في عالم التوحد للفرح محطات سريعة إلى زوال,وأن مشوار التأهيل محفوف بالعثرات والآهات.
ـــــــــــــ
7
مساءٌ متخمٌ بضجيجٍ صامتٍ،لازال طعام العشاء على طاولة المطبخ،لم تمسسه يد،اضطررنا للتحايل على المُسنّة ببضع لُقيمات تسبق ملء كف طفلٍ من حبوب دوائها المتنوع,شعور بالذنب يتملكني مع كل هذا الحزن المحيط بعد الذي كان من فرح سابق ,حتى هو مَن لمْ يحضر درس الإخضاع, كان كافياً له رؤية معاناة والدته,واستماعه لتنهدات (يامن) وارتعاشه أثناء نومه حتى يعيد التفكير بخطتي الجديدة.
لم يُصرّح ،،،،لكني أفقهه عندما يطفو زبد الاستنكار على ملامحه ,
وتكثر صفناته...
... كان صوت اصطكاك الفنجان بالصحن ،والاكتفاء بمشاركتي قهوةً داكنةً بلا سكرٍ حسب رغبته ،يثبت تفوق مرارة مشاعره عما يشربه ،،،تخبطه،،، وعدم قدرته السيطرة على كل شيء كما اعتاد.
ـــــــــــ
٨
لا أدري..
كيف هضمت ثلثي الليل ؟.
فلا تسألوني نكهة إحساسي ,ولا تسألوني حال تفكيرٍ..
كإسفنجه مُلئت بماء الأمل وعصرتها يد واقع مرير الرغوة,
فجأة......شيء ما يُضيء داخلي،
يَخفض من صخب صدري ,
ويسير به نحو سكينة وهدوء افتقدتهما منذ هجرت القِبلة،
حبيبات من نور تتراقص أمامي سواء أغمضت أم دققت النظر مستغربة,
و قشعريرة محببة تسري صعوداً من الصُلّب حتى مفرِق الشعر الأبيض،
أُعانقني.......
فأزداد طمأنينة وراحة, غفوت ,
ولا يزال حديث لين الكلمات يتردد في دهاليز وجداني .ً
ــــــــــ
9
يدٌ تنهرني بلطفٍ ..
لا أحد وقتما صحوت.. ابتسمت أنصت... على عجلٍ توضأت...
واقتربت خجلةٌ من نفسي خلفه وقفت....
يؤمنّي مصلياً ركعة فجره الثانية ,
والدموع سيل من ذنب,
أجزم أنه أجفل من المشهد غير أن الخشوع زاد رباطة جأش استغرابه,
سلّم و سلّمت,
ونهضت و تابعت ودعوت,ودعوت,ودعوت,
و أذكر كالآن كيف تذللت,كيف خوفاً ارتجفت؟
كيف خرّت المفاصل؟
وَهناً وأكملت ترجياً وتقرباً قعوداً بعد سجود! ؟.
وكم و كم بالغت؟
حتى سلّمت.........
التفتُ ومازال مبهوتاً ,
عانقت قدماه الأقرب إليّ
وبكينا معاً .
....كنت كمن تسلل إلى ممتلكاتهما,
أسرعا لإبعادي يظنانها لعبة جديدة
والاستحواذ على ما لهما...
ضحكت ،،،وما زالت العينان دمعاً تجود.
10
ممسكةً بكرسيٍ بلاستيكيٍ تساعد خطواتها ،
تغادر لمنزل ابنها الآخر المجاور،
لن تحتمل درساً مماثلاً وهي الجدّة.
كما لن أتراجع وأنا الأم الأدرى بالأفضل..
حدثني أستاذه عن مهاراته،
وعن قدراته ومواهبه،
وحدثني عمن يفوقونه عناداً ,
كيف باتت روعة عطاءهم,
قال: سيعتادني في المنزل كما المركز ,
وستصبحين مدربته ,
هناك بعد مراقبتي ,
تحلّو فقط بالصبر والإرادة,
وساعدوه كي يتغلب على اضطرابه....غريبة تصرفاتكم عليه كما تستغربوه...
تعلمواا لغته الصحيحة..
هكذا ننتصر معاً على التوحد بإذن الله..!.
و لترطيب الموقف..غمزني مازحاً...
(مع أنني أشك بصلابتكم..
فأنتم عائلة تتنفس الحب وتبالغ في منحه).
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.