الرئيسية » » تمرُّ على بساتيني الوارفة فتنكّسُ أشجاري هامتَها | ديمة محمود

تمرُّ على بساتيني الوارفة فتنكّسُ أشجاري هامتَها | ديمة محمود

Written By هشام الصباحي on الثلاثاء، 24 مارس 2015 | 8:09 ص

تمرُّ على بساتيني الوارفة فتنكّسُ أشجاري هامتَها، وتقبضُ زهوري بتلاتها، وتغصُّ بالشهد فيها، وتغرغرُ من احتقان الشذى في تيجانها، خشية أن تنالَ من رونقها واخضرارها، والحياة المتدفقة فيها، وحذراً من انكسار زجاجي، وإحداثٍ شروخٍ في مياه فضّتي التي تحملني أجنحتها في الفضاء.
لا تستهويني ولا أجد لها رونقاً أو زهواً، ضجيجُها الذي يصفقُ له الآخرون لا أجد له وقعاً في عقلي، الظلُّ المؤقت الذي يسقط منها على الموجودات لا يجذبني سبرُه ولا يغريني تفيّؤه، تلك الحفاوةُ والكرنفالية تولّدُ داخلي نفوراً متزايداً نحو كلِّ عابرٍ مصطّنعٍ محشوٍّ بالمنمّق والمزيّفِ، ومرصّعٍ بالمجاملةِ والإشادات والشعارات والباقات والقبّعات المثلثة الطويلة.
ستسقطُ كل ألوان الظلّ من فوق الجفون، وسيتأرجح أحمر الشفاه من الأطراف، وستترنّحُ الشعور المستعارة، وستتطايرُ الرموش الاصطناعية، وستنفقئ حشوات السليكون، وستهوي كلُّ طقوس الزينة في آخر الليل .
لا تلزمنا يا سادة المزيد من الوجوه المستعارة ولا الأقنعة ولا العروض المسرحية ، ولا ينقصنا المهرجون والبهلوانات، ولا تعوزنا وِحداتٌ من الدمى المتحركّة وشخصيات مسرح الظلّ.
في منطقتنا العربية نحن نصدر كلَّ طقوس الخدع، ونعبّ كؤوس الوهم ، ونخيط بزات المناسبات -كلِّ المناسبات- بلا هوادة.
ربما هما الشوق والحرمان ، يفعلان فعلهما ببني جلدتي فيتهافتون في لاوعيٍّ مدهشٍ نحو لُفافاتٍِ من الهزائم وخيالات الموتى معاً، وحتى لو جاءهم جبريل وأوحى لهم بالحجّة والدليل أنهم في تضليل، يسخرون من هيبته ويُمعنون في فرحٍ ظاهرُه الحفاوة وباطنُه من قبله هلامٌ ولحظيةٌ وترقيع.
هذا التنافسُ اللاهثُ خلف الأعياد الخاصة والعامة والتهنئات التي يُفتح الستار لها منذ عدة أيامٍ أو ساعات قبل إقامة الحفل على خشبة المسرح لا يفسره إلا ذلك الفراغ العقلي والوجداني من حيثيات الإبهاج الحقيقي والتي تحل محلَّها كوماتٌ صدئة من ثقافةٍ وتاريخٍ وحاضرٍ مضرّجين بالعقوبات والآلام والرزايا والتهديد والوعيد في استباقٍ لمقبل أحزانٍ تختبىء في العقل الباطن كما ماضيها.
لو أحببنا أنفسَنا بحقّ لتغيرت زوايا الرؤيه وامتدت لأبعد من هذا المؤقَّت المشذَّب والمقنَّع ، ولآمنّا بأنّ عقيدةَ الخلق الإيجابيّ لها رسائل عظيمة نحو الذات والموجودات، كفيلةٌ بتغيير وجه الكون، وإطلاق أكوان جديدة.
منافذ الضوء كثيرةٌ والآفاق ممتدة ، ومتّسعٌ زاخرٌ من الفراشات والبنفسج وزهر اللوز تكمن في عقولنا ووجداننا، هي أجدر بالرعاية وترقب تفتّحها، هذا النضجِ والفعلُ في الذات هو الأجدر بالفرح والبهاء، وكلُّ مايمكن فعله على أرض الواقع للذات والآخرين هو إقلاعٌ حقيقي نحو عوالم من أعيادٍ حقيقية لامحدودة، ليست ملثمةً ولا مدعومةً ولا متبناةً إلا من صانعي التغيير وباذري القمح وحاصدي السنابل، تزفّها بيادر العمل والتطوير والإبداع باحتفاءٍ ذاتيٍّ في الوجدان بعيداً عن كل طقوسٍ ومواكبَ وصخبٍ وكلامٍ منمّقٍ وجذّاب، ولو كان ذلك فقط بنقل أبجدية الحب والحرف معاً التي تعلم طفلاً ينتعلُ قدميه أو إحداهما...
‪#‎DeemaMahmood‬
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.