الرئيسية » » غُرَف | وداد بنموسى

غُرَف | وداد بنموسى

Written By هشام الصباحي on الأحد، 14 ديسمبر 2014 | 11:32 ص


غُرَف
وداد بنموسى
شاعرة من المغرب
Ouiben2@yahoo.fr

غُرْفة للولادة :
فيما أتيتُ
إليها جئتُ
وحدي
ملء رئتيَ صرخْتُ
بكيتُ
ركلتُ ما في الغرفة من ريح
وصرختُ
كأني أنزلُ من عتمة إلى عتمات
أو إلى ضوء كثيف حدَّ العماء
لا أسمع لا أرى
أحسُّ.


لم تكن لي ذاكرة بعدُ
لكني خرجتُ برائحة أمي في القلب
بكل زوايا رحِمِها في العين
بصَرخاتها الصغرى
بصوت عمتي "فطُّوم"
تقول: ولادتها سهلة
والمخاض ليس عسيرا
فأين المِقصُّ
نقطع الصُّرة ونربطها بالحياة
أين الثوب الأبيض به نلفها
أين الماء الدافئ؟



لا شيء كان معداًّ
لا وقت َ كان في انتظاري
جئتُ على حين غَرَّة
جئتُ
قبل المقص
والماء
والثوب الأبيض
جئتُ عزلاء إلا من صراخ
جئت ضاجة
جئتُ حرّىَ
جئتُ أنثر في الغرفة حبات الدمع
وأرى أمي تتصبب عرقا
قواها هباء
ووجهها السمح غطته سحابة ألم زرقاء
يدها البياض
يدها الوهب
يدها الحُنُوُّ
بينما الحبل السري كان ما يزال حيًّا بيننا
لماذا تقطعينه يا عمتي؟



في تلك الغرفة السفلى
الغرفة الباردة بسبب "نونبر" شهر الثلج والغَمْرِ
كنت لا أسمع لا أرى
كنتُ أحس
أن حربا ضروسا
تنتظرني في الخارج
حيث الثلج
والمقص
والبرد
وغضبتي الأبدية على عمتي فطوم..

غرفة للطفولة:

سرير "أسماء" كان سريري
وسريري كان سريرها
مثل عنزتين كنا نخرج إلى المدرسة
بظفيرتين والبذلة الورد
في المدينة "القصر الكبير"
كنا نشرد في الزقاق المظلم
أو في الدروب بحيّ "المرس"
ونعبر الدكاكين تبيع القطاني والسكر وحلوى العيد
ونعدو من غابة إلى غابة في ضاحية المدينة
أسماء تذكر ذلك الجَنين، عثرنا عليه طريا
ملقى به بين الأحراش
تخلت عنه امرأة جرجرتْ خطيئتها تسعة شهور عجاف
صرخت أسماء حينما رأيته
كاد يغمى عليها
كادت تهوي في الوجل والرهبة والبكاء
غير أني ضممتها بوجيب الحب، لأني الكبرى
وجعلتُني وصية على خوفها
ومع الرفاق
ذهبنا نخبر عن الجنين، وعن المرأة لم نرَها تبتعد بين الأشجار
بينما أسماء تهرول
وتحكي ما جرى...وتقسم ألا تذرع الغابة


كنا نرمي الحقيبة المدرسية على السلم
ونعود إلى الغرفة
ندس بين الثياب دراهمنا و أسرارنا الأخرى
لم تكن للغرفة إلا نافذة
كنا نطل منها على المارة ونغني أحيانا أغنيات الأندلس
ونرشق من في التحت بطائرات نصنعها من ورق
ونضحك نضحك
كلما مر عصفور وغَمَزَ
كان اسم دميتي "محجوبة"
وكنت قد وضعت لها في الركن بيتا صغيرا
وسريرا
وغطاء للسرير
وثيابا قزحية خِطْتُها بما فضل من قماش والدتي
من قفاطينها ومناديلها
لكني لم أوفق في أن  أصنع لها أختا
كي تضحك وإياها
كلما مرَّ عصفور وغَمَزْ

تلك غرفة للطفولة
تلك سمعت اللثغات الأولى
وأولى الضحكات
وفيها ربَّيْتُ أحلاماً تمشي معي اليوم
إلى حيثُ أقيمُ الآنَ
في الهباء...

غُرْفَة السُّؤَال:
 -1
كتُبُ والدي على الرَّفِّ
شجرة البرتقال الحزينة في مدخل الحديقة
عينيْ أمي
دراجتي الهوائية في سن التاسعة
موت عمي جوَّابِ الآفاق
ضريح الولي الصالح  كان يأوي آلام جدتي صيفا وشتاء
الغيب، لا أعرف وجهه
الله، أحيانا يحنو وأحيانا يقسو
.
.
.
.
سؤالٌ على سؤال
لم يكن الجواب جوابا
وإنما جوابٌ في جوفِهِ سؤال
كل لون سؤال
كل رائحة سؤال
كل صورة سؤال
كل صفعة سؤال
كل جرح سؤال
كل سؤال...سؤال


مَرِّرْ يَدَكَ على صدري أيها الفَجْرُ
تجِدْ رُكام أسئلَةٍ منها ما صدِأَتْ
ومنها ما يزالُ يمشي مختالا في الشرايين
يطل من المسام
يرقص على إيقاع النبض
سؤال
سؤال
سؤال
كأنما لا مصير غير السؤال
-2 
في تلك الغرفة العلوية
بناها أبي سنوات بعد الفيضان
وطلاها بالأزرق تَيَمُّناً بالسماء
وفتح لها نافذتين: واحدة على بيت الجارة
والثانية على شرَك الهواء والنخلة وقمر يأتي من سماء ليست زرقاء
غرفة يأتيها الحَمام أبيض كالوهم
يأتيها الآذان من صومعة ومن فم النخلة
والهواء
والقمر
غرفة علقتُ على جدرانها صور النساء اللواتي سوف أكونهن
وصور الرجال العظام الذين سيعلمونني كيف أسير
وكيف أتوب عن العشق
وكيف أنحثُ على ذلك " القمر"
أسماء الطير
والعشب
والموج
والأيام
غرفة ساطعة
كنتُ أدخلها حيرى
وكانت تبدد حيرتي
بتلك السكينة وذلك الصمت

اليومَ أقول:
ولو بجمْرِ السؤال
لماذا بَرَحتني الغرفة الزرقاء
لماذا برحتُها
إلى هكذا ضياع؟؟

غرفة  لليأس:
في الغرفة بالرباط
كان لي
يأس بشارب
يأس قصير القامة
يأس يصرخ في وجهي كل صباح
وينعتني بأبشع النعوت
يمزق قصائدي
ويحرمني من خيوط الشمس، ولمسات القمر

يأس غرفة الرباط
كان يلاحقني في الشوارع والمحطات
أهرب منه إلى غُرَف أُخَر
وإلى ردهات
وجبال
ومفازات
وجوامع
فيعثر عليَّ واجفة أينما ارتحلتُ
حتى غرفة الرباط يئست من يأسها
يأس مجنون
ملكَ عليَّ
الوقت والناس والحياة

يأس بدوره ييأس
يأس بدوره يشْهَق في ملاحَقة أمل

ذات نهار
في حديقة التجارب
جربتُ أن أتركه تحت سترتي على كرسي عمومي
هناك ما يزال
وسأشفق كثيرا
على كل منْ ارتاد الحديقة
وجلس على ذات الكرسي
وطمع في السترة إياها...





التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.