الرئيسية » , , » د. محمود خليل | «الشدة المستنصرية» وصعود «أمير الجيوش»

د. محمود خليل | «الشدة المستنصرية» وصعود «أمير الجيوش»

Written By Gpp on الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017 | 3:50 م



الخليفة المستنصر بالله هو الخليفة الفاطمى الخامس، وقد ارتبطت بعهده مجموعة من الأحداث الفارقة فى تاريخ هذه الدولة، لعل أبرزها صعود دور «أمير الجيوش» واسمه «بدر بن عبدالله الجمالى»، بالإضافة إلى «الشدة المستنصرية».. دعنا الآن نتوقف أمام موضوع المجاعة التى ضربت مصر فى عهد هذا الخليفة، والتى عرفت بـ«الشدة المستنصرية»، ثم نعالج فيما بعد مسألة صعود أمير الجيوش «الجمالى» والتحول الذى أحدثه فى تاريخ الدولة الفاطمية. عاشت مصر خلال النصف الأول من خلافة «المستنصر» (نحو سبعة عشر عاماً) فى رخاء وبُلَهْنِيَة، بسبب ما كانت تربحه نتيجة سيطرتها على ممرات التجارة العالمية من خلال البحر الأحمر، بالإضافة إلى الأموال الطائلة التى كان يحصدها الخليفة نتيجة حصوله على الخُمس من كنوز مصر القديمة. وقد تستغرب إذا علمت أن المقصود بهذه الكنوز هو ما كانت تختزنه أرض مصر من آثار فرعونية، كان يتم الحفر والتفتيش عنها من خلال مجموعات متخصصة مهمتها استخراج الكنز ومنح الخليفة خُمس محتوياته. وقصة التفتيش عن كنوز الفراعنة قصة نظر إليها المصريون منذ القدم على أنها مسألة شرعية، وتم التغطية عليها بغطاء دينى يثير العجب. يذكر «المقريزى» فى «الخطط» أن «بمصر كنوز يوسف عليه السلام، وكنوز الملوك من قبله والملوك من بعده، لأنه كان يكنز -أى يوسف- ما يفضل من النفقات والمؤن لنوائب الدهر، وهذا تفسير قول الله عز وجل: {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ}، والأصل فى جواز تتبع الدفائن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما انصرف من الطائف مر بقبر أبى رغال فقال: «هذا قبر أبورغال وهو أبوثقيف، كان إذا هلك قوم صاح فى الحرم فمنعه الله، فما خرج من الحرم حتى رماه بقارعة، وآية ذلك أنه دُفن معه عمود من ذهب»، فابتدر المسلمون قبره فنبشوه واستخرجوا العمود منه». وقال «المسعودى»: «ولمصر أخبار عجيبة من الدفائن والبنيان، وما يوجد فى الدفائن من ذخائر الملوك التى استودعوها الأرض، وغيرهم من الأمم ممن سكن تلك الأرض». والواضح مما يقوله «المقريزى» عند التأصيل لشرعية البحث عن كنوز الأجداد والاستيلاء عليها أن فكرة «الدفينة» لا تختلف كثيراً عن تصورات المصريين المعاصرين حول فكرة «الخبيئة»، التى تدفع الكثيرين فى قرى ومحافظات مصر (وخصوصاً بالصعيد) إلى تبرير عملية البحث عن الآثار والاستيلاء عليها بمبررات شرعية عجيبة فى الكثير من الأحوال. بدأت «الشدة المستنصرية» بارتفاع حاد فى أسعار السلع الغذائية بسبب خلو المخازن السلطانية وسوء أداء الوزراء، كما ضعفت شخصية الخليفة وفقد السيطرة على من حوله من الوزراء، فانتشرت الفوضى وعم الغلاء، وتفاقمت المشكلة أكثر وأكثر بسبب انخفاض منسوب النيل لسبع سنوات عجاف متتالية، وسميت هذه السنوات السبع بـ«سنوات الغلاء العظيم». وقد أدت هذه الشدة بالمستنصر إلى أن يفقد كل أملاكه، وسكن الجامع ولم يبق له إلا حصيرة يجلس وينام عليها، وبسبب عجز الحكومة عن تسديد مرتبات الجند، وخصوصاً من «الترك»، ثارت ثائرة هؤلاء وعاثوا فى الأرض فساداً، فأضافوا إلى فوضى المجاعة فوضى أمنية شاملة. هزت هذه الأزمة الخلافة الفاطمية هزة عنيفة، وبدأ الضعف يدب فى أوصالها، واضطر الخليفة أمام ما حاق به وبالخلافة إلى الاستعانة بأمير الجيوش «بدر الجمالى»، لكى يعيد الاستقرار إلى البلاد ويتعامل مع المشكلة الاقتصادية التى دهمتها والفوضى التى عمتها، ومنذ هذه اللحظة بدأت حقبة «أمراء الجيوش» فى تاريخ الدولة الفاطمية، إلى الحد الذى يدفع البعض أحياناً إلى وصف هذه الحقبة بـ«حقبة الديكتاتورية العسكرية». وحقيقة الأمر أن صعود «بدر الجمالى» ارتبط بعجز الخليفة «المستنصر» عن مواجهة العسكر الترك الذين تولى قيادتهم «ناصر الدولة بن حمدان»، فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية فى البلاد أخذ «ناصر الدولة» يمارس ضغوطاً كبيرة على «المستنصر» وطالبه بدفع رواتب الجند الترك، واضطر الخليفة إلى بيع أملاكه كى يستطيع الوفاء بها، وبدأ «ناصر الدولة» فى الهجوم على «المستنصر»، وزاد على ذلك بأن استبد بالأمر من دون الأتراك، الأمر الذى استثار حفيظتهم فرفعوا إلى «المستنصر» شكاية يطالبون فيها بالتخلص منه، واضطر الخليفة فى نهاية الأمر إلى الاستعانة بمن بقى معه من الجند فى مواجهة «ناصر الدولة»، وتمكن من إلحاق الهزيمة به ليفر إلى البحيرة، وتتابعت محاولاته لمواجهة «المستنصر» بعد ذلك حتى انتهى قتيلاً على يد الأتراك. ومع ازدياد حدة الاضطرابات فى مصر بدأ المشهد يتهيأ لاستقبال أمير الجيوش «بدر الجمالى».



الجمعة 18-07-2014
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.