في سيدي بوزيد
ماجدة الظاهري
في سيدي بوزيد
تتصاعدُ رائحةُ قهوةِ أمِّي مع أذانِ الفجرِ
بُنُّها وبخورُها ودعواتها
تقرعُ نوافذَ أغلقتْ زجاجَها
كي لا تمرَّ رائحةُ الشَّواءِ من دمشق
إلى هنا
كي لا تحترقَ مراكبُنا في الرُّؤى
نلوذُ بالسَّرايا
كي لا تنتصبَ ساريةٌ أخرى مقصلةً للشهداء
يفرك الشهداءُ نعاسَهم على رخامِ الشواهد
وتمضي أسرابٌ من العصافيرِ إلى بابِ المقبرةِ
جائعةٌ يا أبتي وثقوبُ السِّلال أوسعُ من أفواهِ أجنَّتي
ترقب فواكهَ البلادِ تدرُّ عسلاً بصدقِ النبوَّةِ
وما فاضَ عسلٌ عن جرارِهِ
وما تابتْ أسرابُ النجومِ عن لثمِ حباتِ الثرى
ليحلوَ مذاقُ البلادِ على دمِ الشهداءِ
ثلاثُ مرت ورابعة تلقي تحاياها على حراسِ المدينةِ الغرباء
كسماءِ البلادِ عابسةً وجوههُم
يرتجفون حين تمرُّ التوابيتُ
تخنقُهم رائحةُ دماءِ الشهداء
خائفةٌ يا أبتي
ووقعُ الخطى سائرةٌ إلى الوراء
تذرو الرمادَ على لهيبِ السَّارية
يتمزَّقُ فوقَها الشِّراعُ والوِجهةُ حائرةٌ
حزينةٌ يا أبتي
والمواويلُ صدئتْ في حناجرِ الرِّفاق
القصائدُ تعيدُ ترتيبَ البحورِ
والموجةُ عاتيةٌ
ولنا في بحرِكَ سيدي بوزيد
مجاديفُ ما انْكسرتْ وأشرعةٌ ما مزِّقتْ