الرئيسية » , » البحث عن شارع الرحمة | رحلة العودة إلى أمي آن سكستون | ليندا سكستون | ترجمة محمد الضبع

البحث عن شارع الرحمة | رحلة العودة إلى أمي آن سكستون | ليندا سكستون | ترجمة محمد الضبع

Written By هشام الصباحي on الاثنين، 15 ديسمبر 2014 | 11:48 ص



ليندا سكستون
ترجمة: محمد الضبع
البحث عن شارع الرحمة: رحلة العودة إلى أمي، آن سكستون: هذه رسالة كتبتها إلى أمي، للبكاء والاحتفال بالحياة الصاخبة المعقدة التي عشناها معًا. لقد ماتت منتحرة سنة 1974، وأنا في الحادية والعشرين من عمري. وكنت حينها في الجامعة، ولدي الكثير من المشاعر المتضاربة تجاه حياتها، حتى استطعت بعدها بوقت طويل، في عام 1992 أن أكتب لها هذه الرسالة. بعد أن نشرت هذه الرسالة تبين لي أنها قصة تلمس حيوات الكثير من الأشخاص حول العالم: وتعلّمنا كيف نسامح أولئك الذين فشلوا ونجحوا في الوقت نفسه في مساعدتنا على أن نصبح ما نحن عليه الآن.



سوف أرحل الآن
دون شيخوخة أو مرض، 
بعنف ولكن بطريقة صحيحة تمامًا 
وأنا أعلم أفضل طريق سأسلك. 

آن سكستون، “مذكرة انتحارها”

بعد أشهر من انتحار أمي، كنت وحيدة في المنزل مع أختي، هذا المنزل الذي احتضنني وأختي خلال فترة مراهقتنا، هذا المنزل الذي شهد انهيار زواج أمي وأبي بعد اثنتين وعشرين سنة، المنزل الذي استمع إلى ضجيج أمي، إلى انهيار قواها العقلية، والذي شهد قبل شهر من الآن انتحارها في المرآب.
image

وجدت رسالتها لي، التقطتها ويدي ترتعش. يبدو أن أمي قد بدأت كتابة هذه الرسالة بقلم رصاص باهت، ثم أكملتها بقلم حبرها السميك. كان المنزل حولي صامتًا، تغطّيه إحدى ليالي نوفمبر الهادئة. فتحت الرسالة وبدأت بالقراءة.

عزيزتي ليندا،
أنا في طريقي للذهاب إلى المطار، سأذهب إلى سانت لويس لأقدم أمسية هناك. كنت أقرأ قصة في مجلة The New Yorker جعلتني أفكر في أمي، وأهمس لها بينما كنت جالسة وحدي على المقعد: “أعلم يا أمي، أعلم.” ثم تذكرتك يا ليندا، تذكرت أنك ستسافرين في يوم إلى مكان ما وحدك وأنا ميتة، وستتمنين أن تتحدثي إلي.
أريد أن أتحدث معك أيضًا. ليندا، ربما لن يكون هذا على مقعد طائرة، ربما سيكون في شقتك على طاولة طعامك وأنتِ تشربين الشاي ذات مساء عندما تبلغين الأربعين. أيًا كان هذا الوقت، أريد أن أقول لكِ هذا.
١- أحبك.
٢- لم يسبق لكِ وأن خذلتِني أبدًا.
٣- أعلم. لقد كنت في مكانك ذات مرة. جربت الوصول إلى الأربعين، وكانت أمي وقتها ميتة، وكنتُ بحاجة إليها.
الأحد الفائت خضت عراكًا مع والدك، واتصلت بالشرطة، كان الأمر برمته مريعًا. أعتقد أن هذا كان ذنبي ليندا. لقد كنت غيورة وأثرت غضبه، ولكنك تعلمين أنني لم أقصد هذا. أريد أن أخبرك بأنني آسفة لكل الألم الذي سببته لكِ هذه الحادثة. والدك يعلم أنكِ تحبينه! وأنا أعلم أنك تحبينني أيضًا. كلانا نعلم أنك ابنة رائعة. لقد أخبرتِ الشرطة بما ظننتِ أنه حدث. لا بأس بهذا، حتى والدك يظن أنه لا بأس بهذا. أريد أن أشكرك لعدم خذلانك لي- لوقوفك بجانبي على الرغم من حبك العظيم لوالدك. أريد أن أشكرك على حبك لي أيضًا. كل هذا انتهى الآن.
image
هذه رسالتي إلى ليندا ذات الأربعين عامًا. ستظلين عصفورتي. المفضلة لدي. الحياة ليست سهلة. إنها موحشة بشكل فظيع. أعلم ذلك. والآن عليكِ أن تعلمي هذا أيضًا -أينما كان المكان الذي تتحدثين لي منه: لقد حظيتُ بحياة جيدة -كتبتُ بحزن، نعم- ولكني عشت حتى أقصى حدود الحياة. وأنتِ أيضًا، ليندا -عليكِ أن تعيشي حتى أقصى حدودها! حتى ذروتها! أحبك ليندا ذات الأربعين عامًا، وأحب ما تفعلين، وأحب ما تشعرين به، وأحب ما أنتِ عليه! كوني امرأة لذاتك. انتمي لأولئك الذي تحبينهم. تحدثي إلى قصائدي، أو تحدثي إلى قلبك -أنا في كليهما إذا احتجتِ إليّ- لقد كذبت عليك يا ليندا. لقد أحببت أمي وأحبّتني هي أيضًا. ها قد قلتها أخيرًا!



xoxoxo Mom



أشتاق إليها. أكرهها لأنها تركتني. أكرهها لأنها كانت شديدة القرب مني، لأنها لحقتني بكلمات كهذه، كلمات لا أملك أي خيار سوى أن أستمع لها. لقد كانت معلمتي، دليلتي، صديقتي، كاتمة سرّي. مكوّنتي التي شكّلتني كما شكّل الإله آدم.

لقد قضت أمي حياتها كاملة وهي تبحث عن وطن مجازي أسمته “شارع الرحمة.” وفي سنواتها الأخيرة، بدأ إحساسها باليأس يتزايد، لشعورها بأنها لن تجد هذا المكان الذي طالما كانت تحلم به.

شارع الرحمة - آن سكستون

في حلمي،
أحفر حتى النخاع
حتى نخاع العظم،
في حلمي الحقيقي،
أسير أعلى وأسفل “بيكن هيل”
أبحث عن لوحة لشارع
يسمى بشارع الرحمة.
ليس هنا.
أجرب البحث في “باك بي”
ليس هنا.
ليس هنا.
ولكنني أعرف رقم الشارع.
٤٥ شارع الرحمة.
أعرف النافذة ذات الزجاج المدهون
في الردهة،
أعرف درجات السلم الثلاث للمنزل
والأرضية الخشبية.
وأعرف أثاث المنزل
أعرف الأم، الجدة، وأم الجدة،
والخادمات.

في خيال أمي كان “شارع الرحمة” هو المكان الذي يلتقي فيه الماضي بالحاضر، حيث تضع المواجهة يدها في يد المغفرة. ربما عندما وصلت إلى سن الخامسة والأربعين دون أن تجد شارع الرحمة، بدأت بالإيمان بأنها لن تجده أبدًا. وربما كان هذا سبب اكتئابها عند وصولها إلى سن السادسة والأربعين. لذلك قامت بإيقاظ نفسها من هذا الحلم، من هذه الوجهة الأسطورية، لتنظر إلى ما تبقى حولها تحت ضوء أيامها المتبقيّة.

ثم أجذب الحلم وأوقفه
وأرتطم بالجدار الاسمنتي
للتقويم الغبي
الذي أعيش فيه،
وما يجره معه،
حياتي والمذكرات.

أوجه رسالتي هذه إلى السماء، إلى الطائرة التي حملت المرأة الطويلة ذات الشعر الداكن صاحبة قلم الحبر. أمي، هل تسمعينني؟ هذا ما رأيته وسمعته وتعلمته. لقد بلغت الأربعين الآن، أنا ليندا ذات الأربعين سنة وأنا جاهزة للرد عليكِ.




-تمت-
التعليقات
1 التعليقات

1 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.