أثار الباحث والإعلامي، إسلام بحيري، قضية حديث "خلق الكون" الموجود في صحيح مسلم، معتبرًا إياه من كلام كعب الأحبار، وليس النبي محمد، وأن الإمام البخاري بنفسه أكد ذلك، ولم ينه رد الدكتور أسامة الأزهري، والحبيب علي الجفري، بشأن تلك القضية، الجدل الدائر فيها.
غير أن العالم الأزهري والمتخصص في علم الحديث، الشيخ محمد الجاويش، أكد أمس لـ"دوت مصر" على صحة كلام بحيري، وأن "خلق الكون" كلام كعب وليس كلام النبي، وعرض أكثر من دليل على كلامه، مشيرًا إلى أن أبا هريرة كان يسمع من كعب، ومن كانوا يرون عنه خلطوا بين كلام كعب وكلام النبي.
من هو كعب الأحبار؟
"كعب الأحبار"، شخصية مقرون اسمها بالإسرائيليات الموجودة في التراث الإسلامي، ولد في بيت يهودي من يهود اليمن، وورد أنه أسلم خلال خلافة أبي بكرالصديق، وقيل خلافة عمر، وقيل أنه أسلم قبل وفاة النبي محمد، عندما أرسل علي بن أبي طالب لليمن، كما أورد ابن سعد في الطبقات الكبرى.
موقفه مع السيدة عائشة
احتك كعب مع السيدة عائشة فى إحدى المسائل، فعندما فسر آية "يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا"، قال كعب: إن هارون المذكور ليس بهارون أخ النبي موسى، فكذبته السيدة عائشة، فرد قائلًا: إن كان النبي قال هذا فهو أعلم وأخبر وإلا فإني أجد بينهما ستمائة سنة، فسكتت، كما عرض الطبري في تفسيره.
مع الصحابة
يقول العلامة الشيعي، علي الكوراني، في كتابه "تدوين القرآن"، أن كعب الأحبار أصبح مرجعًا في عهد الفاروق عمر بن الخطاب، وكان مرجعًا لمعرفة أخبار الغيب والآخرة، ومصدرًا لمعرفة تاريخ الأنبياء وتفسير القرآن، لما عنده من علوم تلقاها قبل إسلامه.
وروى الهيثمي في "مجمع الزوائد"، عن كعب الأحبار، تحت عنوان: (باب شدته رضي الله عنه في الله وكراهيته للباطل)، عن عمر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب أرسل إلى كعب الأحبار فقال: يا كعب كيف تجد نعتي؟ قال: أجد نعتك قرن من حديد. قال: وما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: ثم مه؟ قال: ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة.
وجاء في "الطبقات الكبرى" لابن سعد: أنّ أبا هريرة قال لكعب: إنني جئتك لأطلب عندك العلم، واستقي من معينك الغزير، وفي "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر العسقلاني، جاء إنّ معاوية هو الذي أمر كعبًا بأن يقص في الشام، عندما كان واليًا عليها.
اتهامه بقتل الفاروق
اتهم كعب كثيرًا في كتابات متأخرة، أنه كان مشاركًا في مؤامرة اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب، كما ذكر مجير الدين الحنبلي، في "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل"، لكن الدكتور عبدالوهّاب النجار، في "تاريخ الإسلام: الخلفاء الراشدون"، يقول: إن بعض الرواة ذكروا أن كعبًا أنذر ابن الخطاب قبل مقتله بثلاثة أيام، زاعمين أنه قال لعمر: إنه وجد ذكره في التوراة.
ويرجح عدد من الباحثين، أنها قصة مُختلقة، لأنه لو كان كما روى أولئك الرواة لعد شريكًا صريحًا في المؤامرة، وقُتل على إثرها، ولكنه لم يُقتل بل عاش إلى خلافة عثمان.
دفاع مدرسة ابن تيمية عنه
عندما عرض الحافظ شمس الدين الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء"، ترجمة كعب، قال: "كعب بن ماتع الحميري، اليماني، العلامة، الحبر، الذي كان يهوديًّا، فأسلم بعد وفاة النبي، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر، فجالس أصحاب محمد، فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عن الصحابة، وكان حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء.
وأضاف الذهبي: "وكان خبيرًا في كتب اليهود، له ذوق في معرفة صحيحها من باطلها في الجملة، سكن بالشام بأخرة، وكان يغزو مع الصحابة".
وقال الحافظ ابن كثير، في "البداية والنهاية": إن كعب لما أسلم في زمن عمر كان يتحدث بين يدي عمر بن الخطاب بأشياء من علوم أهل الكتاب، فيستمع له عمر تأليفًا له وتعجبًا مما عنده مما يوافق كثير منه الحق الذي ورد به الشرع المطهر، فاستجاز كثير من الناس نقل ما يورده كعب الأحبار، لهذا المعنى، ولماء جاء من الإذن في التحديث عن بني إسرائيل، لكن كثيرًا ما يقع فيما يرويه غلط".
بعد أن دافع عنه تلاميذ ابن تيمية الأولين، كالحافظ ابن كثير والحافظ الذهبي، استمرت المدرسة التيمية في الدفاع عنه حتى دافع عنه الشيخ محمد صالح المنجد، وغيره من علماء التوجه السلفي.
لماذا يدافعون؟
يقول الشيخ الجاويش، إن "ابن تيمية بالرغم من قوله روى مسلم أحاديث قد عُرِف أنها غلط، لكنه قال على هذا الحديث، "ولكن هذا له نظائر"، مؤكدًا أن كعب الأحبار كان مجسمًا في الذات الإلهية بتأثره بالعقيدة اليهودية، فلذلك دافع عنه ابن تيمية وتلاميذه، حتى لا تهدم عقيدة التجسيم في الإله، التي ينتهجها ابن تيمية، مشيرًا إلى أن ابن تيمية له صولات وجولات في تجسيم الله، ومنها قوله: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي من على المنبر، وغيرها.